في ذكرى يوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني
فلسطين .. أكثر من سبعة عقود من الصمت والعجز الدولي
منذ عام 1967 وبعد أكثر من سبعة عقود من الزمان على النكبة الفلسطينية عام 1948 لا يزال الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع الذي تدمر بالكامل، منذ عدوان الكيان الإسرائيلي الأخير عليه في 7 أكتوبر 2023، يزداد العنف وبشكل مستمر، ويعمل الاحتلال جاهدا على إخراجه من أرضه بما في ذلك القدس الشرقية.
وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة وجمعيتها العمومية ولجانها المعنية بالقضية الفلسطينية وسائر القوى الفاعلة والحية في المجتمع الدولي تناصر القضية الفلسطينية وتصدر القرارات تلو القرارات التي تثبت الحق الفلسطيني، فإن القضية الفلسطينية لا تزال بدون حل، فدولة الكيان الإسرائيلي الغاصب تواصل تعميق احتلالها من خلال توسيع مستوطناتها غير القانونية، إلى جانب مصادرة الممتلكات والمباني الفلسطينية وهدم البيوت والتهجير القسري للعائلات الفلسطينية، واعتقال المدنيين الفلسطينيين بما في ذلك الأطفال، ولا تحرك الآليات الدولية ساكنا للجم الاحتلال الإسرائيلي عن مواصلة انتهاكاته وجرائمه المروعة بحق الشعب الفلسطيني المكلوم.
ويوافق يوم غد الجمعة 29 من نوفمبر، اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وهو اليوم الذي وقع عليه الاختيار من قبل الأمم المتحدة كيوم عالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، إذ دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر عام 1977، للاحتفال بهذا اليوم تحديدا لما ينطوي عليه من معان ودلالات بالنسبة للشعب الفلسطيني، ودرجت جهات إقليمية ودولية عدة على الاحتفاء به تضامنا مع أهل فلسطين الصامدين، وتأكيدا على أن القضية الفلسطينية حية وحاضرة في المحافل الدولية وفي الضمير العالمي الحي.
وتأتي إحياء ذكرى هذا اليوم الدولي هذا العام، مع واقع قاس وأليم، حيث يشهد الشعب الفلسطيني استمرار عدوان الكيان الإسرائيلي الغاشم غير المسبوق على قطاع غزة، والذي يعد انتهاكا صارخا وسافرا لقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
ويقف المجتمع الدولي مكتوف الأيدي أمام أبشع جريمة تشهدها الإنسانية، حصيلتها من الضحايا المدنيين وصلت إلى 44.282 شهيدا، بينما وصل عدد المصابين إلى 104.880 إصابة، أغلبهم من النساء والأطفال، بحسب وزارة الصحة في قطاع غزة، التي تقول إن قوات الاحتلال الإسرائيلي ارتكبت منذ بداية العدوان على قطاع غزة في السابع من أكتوبر العام الماضي 7160 مجزرة بحق العائلات الفلسطينية.
وفي هذا السياق، فإن هذا اليوم يعد بمثابة تذكير للمجتمع الدولي بأهمية القضية الفلسطينية، وبضرورة التضامن مع شعب كريم صامد يعاني وعانى منذ وقت طويل من جرائم وويلات الاحتلال من قتل وقمع وعزلة وحصار، والرسائل العالمية في هذا اليوم تبرز وبجلاء مواقف مفادها أن الشعب الفلسطيني شعب يستحق أن تتكاتف معه جميع دول العالم والشعوب الحرة في هذه الأوقات الدقيقة، مثلما على المجتمع الدولي أن يقف داعما له في مطالبه الشرعية والعادلة، وإعادة حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
وتأتي المناشدات والمواقف والمطالب تباعا من القوى الدولية الرسمية والمدنية لضرورة الوقف الدائم وغير المشروط لإطلاق النار في قطاع غزة، والعمل على حقن دماء الأبرياء، وضرورة توفير المساعدات الإنسانية العاجلة واللازمة بشكل مستدام للتعامل مع الحاجة الإنسانية المتفاقمة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، مع الإبقاء على المعابر مفتوحة، ورفع الحصار المطبق منذ سنوات على القطاع الذي يكتظ بكثافة سكانية عالية، وفي إطار ذكرى يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، فإن هذه الدعوات لا تنفك أن تتجدد، بضرورة التحرك الجاد والصارم لوقف الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة والمستمرة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية وكامل الأرض الفلسطينية المحتلة، والعمل على رفع الظلم والمعاناة عن أبناء الشعب الفلسطيني الصابر.
وقد استدعت المواقف الإسرائيلية تجاه ” الأونروا ” ومحاولة وقف عملها المنظمات الإقليمية والدولية، فقد اعتمد المجلس التنفيذي، التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ” اليونسكو”، في 25 من نوفمبر الحالي خلال الدورة الثامنة الاستثنائية للمجلس التي عقدت لمناقشة تأثير قرار الكنيست الإسرائيلي على التعليم في مواقع عمليات ” الأونروا”، ولدعم استمرارية الأنشطة التعليمية للوكالة الأممية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، اعتمد قرارا بالأغلبية لدعم الأنشطة التعليمية لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ” الأونروا ” في الأرض الفلسطينية المحتلة، وأكد القرار على التزام ” ليونسكو” بتوفير التعليم للاجئين الفلسطينيين، وقد جاء القرار بموافقة 50 عضوا من 58 عضوا بالمجلس التنفيذي لليونسكو، مقابل رفض أربعة أعضاء.
ويشار إلى أن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ” الأونروا “، التي تأسست منذ عام 1949 وبموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302، تعمل على تقديم الإغاثة والمساعدة للاجئين الفلسطينيين المتأثرين بالصراع العربي الإسرائيلي منذ النكبة، ويعترف القرار الجديد للمجلس التنفيذي التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ” اليونسكو” بالدور الأساسي للأونروا في تقديم التعليم والرعاية الصحية والخدمات الحيوية للاجئين الفلسطينيين من خلال شبكة تضم أكثر من 700 مدرسة تخدم أكثر من 500 ألف طفل وثمانية مراكز تدريب مهني تقدم التدريب لقرابة 8 آلاف شاب، ويعكس القرار كذلك القلق البالغ إزاء التدابير التشريعية الأخيرة التي اتخذتها إسرائيل، والتي تهدد استمرارية نشاط الأونروا في تقديم الخدمات التعليمية للأطفال الفلسطينيين.
وعلى مدى عمر الأزمة الفلسطينية المتمدد، ظلت المطالب الإقليمية والدولية تتوالى دوما لإنصاف الشعب الفلسطيني، حيث دعا البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية غير العادية، التي عقدت في شهر نوفمبر الجاري بالرياض، المجتمع الدولي للتحرك بفاعلية لإلزام الاحتلال الإسرائيلي باحترام القانون الدولي، واستنكار ازدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وميثاق الأمم المتحدة، والتحذير من أن هذه الازدواجية تقوض بشكل خطير مصداقية الدول التي تحصن إسرائيل وتضعها فوق المساءلة، ومصداقية العمل متعدد الأطراف، وتعري انتقائية تطبيق منظومة القيم الإنسانية.
ويحسب للموقف العربي والإسلامي الصادر عن القمة العربية الإسلامية غير العادية تأكيده على مركزية القضية الفلسطينية والدعم الراسخ للشعب الفلسطيني لنيل حقوقه الوطنية المشروعة غير القابلة للتصرف، وفي مقدمتها حقه في الحرية وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة على خطوط عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وحق اللاجئين في العودة، وتعويضهم بموجب قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، خاصة القرار 194، والتصدي لأي محاولات لإنكار أو رفض هذه الحقوق، وعلى أن القضية الفلسطينية تعتبر ككل القضايا العادلة للشعوب التي تناضل من أجل حريتها من الاحتلال ونيل حقوقها كاملة.
وبنظر العديد من المراقبين، فإن التحديات أمام المجتمع الدولي لمعالجة عجزه تجاه القضية الفلسطينية يبقي قائما، مثلما أن التذكير بعدالة القضية الفلسطينية يظل أمرا حاضرا في كافة المحافل الإقليمية والدولية، لأنه يرتبط بحق الشعب الفلسطيني في استعادة كافة حقوقه المشروعة فهو هم عربي وإسلامي، مثلما أنه يمثل هما لأصحاب الضمير الحي في العالم أجمع وللبشرية جمعاء.